في عام 1983، التحق دوني دويتش (Donny Deutsch)
بشركة أبيه الصغيرة للإعلانات المطبوعة في مدينة نيويورك، في
ذات الوقت الذي كان أبوه يفكر في بيع الشركة لتقدمه في السن،
لكن دوني الصغير نجح في إقناع أبيه بالعدول عن البيع، ولذا ترك
الشركة لابنه الصغير، كي يديرها وفقاً للطريقة التي يريدها،
وتقاعد الأب بعدها. اليوم، تتضمن قائمة عملاء شركة دويتش
للإعلانات .Deutsch Inc شركات كبرى مثل جونسون،
نوفارتيس، فايزر، ميتسوبيشي، وكذلك دعايات حملة بيل كلينتون
للترشح للرئاسة الأمريكية في عام 1992 .
يعترف دوني أنه كان محظوظًا لكون أبيه صاحب شركة إعلانات، ومحظوظًا أيضاً لأنه رغم استهتاره في
فترة الصبا التي قضاها في مشاهدة التلفاز والحفلات والرياضة، لم تستغن عنه الشركات التي عمل بها أثناء
دراسته رغم أنه لم يهتم كما يجب لشؤون العمل. تلك الوظائف قصيرة الأجل هي التي جعلت دوني يدرك
أنه لا يريد أن يقضي حياته في مجال الاقتصاد أو المحاسبة، بل في الإبداع والفن. ذهب دوني لأبيه وقال له،
دعني أعمل في ركن صغير في الشركة، ودعني أجلب زبائن جدد، وهكذا انطلق دوني يجلب العميل تلو
العميل، وبدلاً من أن يستحوذ على شركة أبيه، بدأ وكالة دعاية جديدة داخل وكالة أبيه. بعدما كانت
الشركة تبيع إعلانات مطبوعة، دخل دوني يدخل مجال إعلانات التليفزيون والحملات الإعلانية الشاملة .
تعتمد فلسفة دوني في العمل على اجتذاب وتوظيف الموهوبين صغار السن، خاصة من هم أكثر ذكاءً وبريقًا
منه، وإقناعهم بالعمل معه ضمن الفريق، لفترات وصلت حتى 100 ساعة عمل في الأسبوع. يبحث دوني دائمًا
عمن هم على وشك الوصول لقمة عطائهم الفني والمهني، لا من بلغوا تلك القمة بالفعل، ويؤكد أنه ي§عطي
منصب الإدارة لمن يريد أن يصبح مديرًا ناجحًا، ويجد في عينيه البريق الدال على إمكانية تحقيقه لذلك،
وهو لن يعطيه لمدير سبق وحقق النجاح الذي يبحث عنه. ذات يوم اتصل مكتب دوني بمصمم إعلانات متقدم
للعمل لديهم، ليعتذر المتصل عن عدم قدرة دوني على مقابلته، فأخبره المتقدم بأنه على دوني أن يذهب
للجحيم، فما كان من دوني إلا وأسرع لمقابلة المتقدم وعينه على الفور .
نموذج التحفيز الذاتي لدوني يعتمد على أنه لا وجود لعبقري حقيقي كامل، وبالتالي فكل شيء ممكن
تحقيقه، وكل عمل عظيم يمكن التفوق عليه. أدار دوني الشركة من منظور رجل أعمال لديه القدرة على
الإبداع، وهو يؤكد أن لم يجبر يوما عميلاً من عملائه على قبول أي فكرة دعائية أو إعلانية قدمها له، بل
كانت أعماله من قمة الإبداع بمكان حتى أنها كانت تلقى القبول بشكل تلقائي، دون الحاجة لضغوط أو جدل. ﴾ 55 ﴿
في حين نجد الكثير من الشركات تعتمد اليوم على تحويل أقسامها إلى مراكز ربح تتنافس فيما بينها، يضع
دوني الجميع في شركته تحت سقف واحد، يجمعهم هدف واحد، هو تحقيق الربح بشكل جماعي .
خلال حقبة التسعينيات، كان دوني يضيف من 90 إلى 100 موظف جديد إلى فريق العمل كل عام، خاصة
بعدما فاز بعقد مع شركة ميتسوبيشي للسيارات بلغت قيمته ربع مليار دولار، وفي حين كان لديه مكتبا
كبيرا في نيويورك وآخر صغيرا في لوس أنجلوس، فإن فوزه بعقد مع بنك أوف أمريكا جعله يصمم
حملات دعائية في 37 بلدا. قفزت مبيعات ميتسوبيشي 80% بعد تولي وكالة دويتش أمر دعاياتها . من
وجهة نظر دوني، النجاح لا يعتمد على من هو الأذكى أو من هو الأفضل، بل يعتمد النجاح على من يقول:
“لما لا أنجح أنا أيضاً، أنا أستحق أن أنجح”، وأما المهارات اللازمة للنجاح فيراها ضرورية لكنها ليست كافية،
فمن يريد أن ينجح لا بد له من أن يتحقق فيه الشعور بالجوع والظمأ والإصرار والاقتناع الراسخ باستحقاقه
للنجاح .
باع دوني ملكية الشركة في عام 2000 بقرابة 300 مليون دولار مع بقائه المدير التنفيذي لها ، لها بعدها
وجه دوني جل اهتمامه إلى صناعة الأفلام عبر إنشاء شركة إنتاج فني، ي كما قدم كذلك برنامج
تليفزيوني خاص به في قناة سي ان بي سي الأمريكية، سماه الفكرة الكبيرة، وألف كتاباً خصصه لتشجيع
الأعمال حاول أن يضع فيه خلاصة خبرته على مر عقدين من الزمن في مجال الإعلانات .
لماذا باع دوني شركته (التي كانت تحقق 20% زيادة سنوية في الأرباح) وهو في أوج نجاحه؟ لأنه يريد
جبلاً شاهقًا ليتسلقه، لقد أصبح دوني الاختيار الأولل من يريد تصميم إعلان تليفزيوني لا مثيل له، واستضاف
في برنامجه التليفزيوني ع@لية وكبار القوم، وهو تحدث فيه عن السياسة وعن الموسيقى. لقد حقق جزءً
كبيرًا من أحلامه، والآن عليه البحث عن مزيد من الأحلام لتحقيقها والصعاب ليقهرها. اليوم، يفاخر دوني
بعزمه خوض انتخابات عمدة نيويورك العام المقبل.