top of page
صورة الكاتبAdmin

صدغُ الوطن - علي الأحمد

كلنا مذنبون، شئنا أم أبينا.

تلحفنا الرحيلَ وتركنا أوطاننا خلفَ حقائبنا، لننشدَ المستقبل بعيداً عن دخان أنفاسها، وبعضنا تلبّسَ ثوبها وبدأ اغتصاباً في ترابها، وآخرونَ تزينوا بالقولِ "اللهم أنفسنا، اللهم أنفسنا".

هل لنا جميعاً لاجئون ومهجرونَ، تجار وجنود ومجاهدونَ، جيرانٌ وأخوة أن ننظرَ المشهدَ من أعلاه، لنعاينَ بإمعان عمق الاختناق الذي يتصاعد في رئتي هذا الوطن – بدايةً وفي قلب الأمة مجملاً -، وكم من الوقتِ تحتاجه كل بقعةٍ في جسدهِ لتستريحَ وتهدأ من كل الخرابِ الذي زاوجها وضاجعها قهراً؟ هل نظرنا بعينِ الإنسانية – ولو لمرة - إلى أنفسنا علّنا نرحمنا ونعيد المنطقَ المسلوبَ - بمباركتنا -إلى خياشيم عقولنا، لنتفكرَ ونتدبرَ بكل ما يلفنا ويحيطنا.

الوقتُ يمضي والوطن يشيخ بسببنا، يستجمعُ أنفاسهُ الأخيرة قبل الانفجار العظيم، قبل أن يثأر لنفسهِ منّا، ليصبحَ جحيماً لكل من خذلهُ وأرقهِ، انتقامهُ لن يكون كما نعلم أو كما نتوقع، هو موجُ نارٍ ثائرٍ لا يرى صالحاً ولا مسالماً ولا بريئاً، سيقتلُ باختناقتهِ الأخيرة الحياةَ وأسبابها، سيثأر من نفسهِ ومنّا، يموتُ أو يعيدُ خلقَ مناصريه.

كلما ضاق الوقت والمسافة، كلما ازداد الوطن اختناقاً وأصبحَ فوهةً ملائمة للموت، ملائمةً للتهجينِ بينَ الفيروسات التي عششت في قلبهِ ورئتيهِ، لنصبحَ مع الزمن بمواجهةِ تراكيب جديدة من الموت لا نعرف لها تفسيراً ولا صوراً نستوضحها من خلالها.

ونحن مع كل هذا الضيقِ والتزاوج بينَ عناصر الموتِ نجلسُ باتكاءِ الوجعِ المشوب والمشوهِ تفادياً لتأنيب ضمائرنا الهشة والمخادعة ونسأل:

ماحلَّ بكَ أيها الوطن؟

ماذا صنع بكَ المرجفونَ الظالمون؟

دونَ وعينا بأن طريقنا الذي عبّدناه بعيداً عن بلادنا هو سبب من الأسباب التي ساعدت لكل هذا التكاثف للألم والموت فوقَ جبينها ورحابها، لا نعلم أن صمتنا وحتى حديثنا اللاواعي واللاموجه هو صرخةٌ في صدغ الوطن ورحمهِ ليولدَ من صداه الموت والموت ولا سواه، موتاً لم نعتده ولن نفقهَ أشكاله.

إذاً

ما الحل بعد الولوج في عمق الخطأ، وبعد أن تلبسنا كل الذنوب في حق أوطاننا؟

بكل جد لا أعلم!

فضيقُ التركيز لشدةِ الألم يمنع العقل من الاستيضاح والتحليل، لكن ما الذي سيكون لو توقفنا بعد قراءة المشهد وتمعنه وقفةَ روحٍ واحدة، وقفةَ موجوعٍ واحد ومتألم واحد؟ ماذا لو توقفنا ووقفنا في مختلف أماكننا وتضاريس المستقبل الذي نبنيه؟ ماذا لو توقفنا برغبة واحدة على أن نعيد الوطن إلى خيره وإزهارهِ؟

ماذا لو؟

١١ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

نقطة آخر السطر

خرجت دامعة العين،ذهبت ولَم تَعُدْ،لملمت نفسها وقوتها وغادرت،خرجت ولَم تُحرِّك ساكناً قط،تحاول أن تترك ضعفها..انكسارها..دموعها...

ﻛُـﻞ ﻋـــﺎﻡ ﻭﺃﻧـﺘــﻢ ﺑـــﺸــﺮ

ﻳـﺂ ﻋـﺮﺏ ﻣـَﺎﺕ ﻓـﻴﻬﻢ ﺍﻟﺸـﺮﻑ ﻭﺍﺣﺘـﻀـﺮ ﻳﺎ ﻋـﺮﺏّ ﺻَـﺮﺥ ﻓـﻴﻬﻢ ﺍﻟﻮﻃـﻦ ﺣﺘـﻰ ﻛَـﻔﺮ ﻳﺎ ﻋـﺮﺏ ﺗـﺎجرﻭﺍ ﺑـﺮﺑﻬﻢ ﻭﺩﻳﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻳﺎ ﻋـﺮﺏ ﺻـﺎﺭﺕ...

bottom of page