كثيراً ما كنت أسمع هذه المقولة "ملتفت لا يصل" وكثقافةِ القطيع اقتنعت بها حتى أصبحت أطبّقها وبدأت كما الأغلب مقتنعة تماماً أنني إذا التفتّ إلى الوراء لن أصل. في إحدى الأيام شعرت بتوترات داخلية وأخرى فكرية زعزعت من استقراري الداخلي، فطلبتُ من إحدى صديقاتي اللواتي أقتدي بهنّ تحديدَ وقت لجلسة "عصف ذهنيّ" علّني أتخلص من تلك الأفكار السلبية التي استحوذت عقلي.
في لحظةٍ من اللحظات شعرت بأنني أسأت اختيار تخصصي الجامعي "علم النفس" على الرغم من أنني اخترته عن رغبة وحب، ولكن مرحلة عدم الاستقرار جعلتني أشك باختياري. تحدثت وصديقتي طويلاً وبدأت ذاكرتي تسترجع صوراً من الماضي، رأيت بها رغبتي في توظيف علم النفس إعلامياً وفعلت ذلك بفضل وكرم من الله نجحت، لكن مع الوقت بدأت أشعر بشيء من تدني تقدير الذات وأن طاقاتي غير موجهة في الطريق الصحيح وأنني شخص عاجز، بدأت أستذكر ما كنت أقوم به خلال مرحلتي الجامعية وكم كانت هذه الأيام التي أعيشها حلم ما قبل التخرج، وبدأت أسأل نفسي هل سأهدم ما بنيته طوال الأربع سنوات أم سأكمل ما بدأت به وأصل لمرحلة الاستقرار الفكري التي ستجعلني أشعر بالرضا عن ذاتي والاستقرار النفسي، هل ستمر هذه العقبة أم ستستمر؟
بدأت بترتيب الأحداث المبعثرة وتكونت تقريباً صورة متكاملة بين الحاضر والماضي، بين ما كنت عليه وما أنا عليه الآن، وأيقنت يقيناً تاماً بأن الله لم يخلقنا عبثاً، وكل منا موكّل بعملٍ يقوم به لتحقيق مبدأ الخلافة وعمارة الأرض، وأيقنت أيضاً أن الله لم يرتب أحداث حياتنا بطريقةٍ عشوائية بل بترتيبٍ دقيق محكم.
التفتُّ بعدها لعامي الماضي علنّي أجد منه ما يشعرني بالأمل، ووجدت إحدى القصاصات التي كتبتها والتي تصف وضعي الحالي تماماً... "إن التوترات التي تحدث داخلنا نتاج التفكير المتكرر نحو التطور والتخلص من المفاهيم المحيطة، و التي ربما تكون بالنسبة لصاحبها مفاهيم مكتسبة لا تتناسب وبيئته الداخلية الخاصة، فيحدث ذلك التوتر الذي من شأنه أن يدفع صاحبه نحو التأمل والتفكّر، ووضع استراتيجية معينة لكي يصل لمرحلة الاستقرار.
وما يلبث أن يصل لمرحلة الاستقرار حتى تبدأ مرحلة جديدة من التوتر ولكن بصورةٍ أعمق عن سابقتها، وسيبقى الإنسان يتطور بين الفينة والأخرى نتيجة لهذه التوترات والتي ستدفعه للمعرفة بنفسه وسدّ حاجاته الفكرية".
أعتقد حينها أني كنت أمرّ بالظروف ذاتها فهذا أمر طبيعي يمر به أيّ ملتفت يريد أن يصل.
فكم من ملتفتٍ وصل..