قصور كلوي، كان ذاك المرض الذي عانى منه أبي مدة ناهزت العشرين عاماً.
لم يكن خلالها يشتكي البتّة، فرغم كونه يعلم أنه يعاني من مرض عضال،كانت ابتسامة التفاؤل والرضى لا تغادر محيّاه. لا زلت أذكر تلك الأوقات حين كنت أمر لرؤيته وهو في مركز العلاج، حيث كان ُيجري حصص تصفية الدم بشكل مستمر، إذ كنت أمر بعدة أروقة حتى ألتحق بغرفته، وألمح هنا وهناك أبداناً مستلقية بجانب آلات تخترقها أنابيب مليئة بالدماء.
كان أبي في كل مرة يستقبلني بوجه بشوش يخفي الألم الذي يعاني منه في صمت، أما أنا، فكانت في كل مرة تخونني دموعي التي يمسحها والدي بكفه الدافئ.
كان أبي في كل مرة يتفاخر بتقديمي لأفراد الطاقم الطبي أو إلى المرضى الذين يشاطرونه الغرفة (إذ غالبا ما كانوا يتغيرون في كل مرة) : "إنها ابنتي مريم، وتنوي أن تصبح إن شاء الله طبيبة متخصصة في أمراض الكلى".
أجل، كان هذا حلم حياتي، أن أصبح طبيبة متخصصة في أمراض الكلى وأن أتخصص في تلك الآلات التي تمتص الدم الملوث لتعيد ضخه بعد التطهير في جسد المريض، و أن ألمّ بكل الأسباب التي قد تجعل الكليتين تفقدان وظيفتهما لتخلف مرضى كوالدي، وأن أجد حلولاً جذرية لهذا المرض وأن أساعد كل المرضى الذين لا يستطيعون تكبّد تكلفة العلاج الباهظة. فهل سأحقق هذا الحلم؟