عندَ العتبةِ، أقفُ بينَ عالمين، أبديةُ الفناءِ ولذةُ الخلود، الروحُ تعانقُ ظلها، تحضنُ بعضها وتغرقُ احتراقاً وحباً، ترشفُ الغيثَ بينَ حباتِ الهواء، وخطا الهائمين، لا معنى للوقتِ ها هنا ولا فحوى للكلام.
الموتُ يراقصُ زوارهُ عارياً، يُمسكُ بكل الأوتارِ، يعزفُ من صراخِ النادمينَ شجناً وقصيدةً ونصف شر، يلهو والروحُ تكبلها فسحةُ العتبات، تكبلها نصفُ خطوة إلى الوراء، تربكها نصف الحياة، وعشرُ خطواتٍ يفصلها الوقتُ مسافةً عن بابٍ يُغلفهُ الغموض.
لا مسافات ها هنا، تختلفُ التفاسيرُ والمقاييسُ ولغةُ الوقت تُقتل.
عند العتبة يفنى الحضور إلا من شاخصةِ الموتِ وهزالةِ الجسد، اختفاء الروحِ ولعنةِ الأبد، وهنا لحنُ الخلودِ لغةُ القاصدينَ المتعبينَ خلفَ بابٍ سوفَ يوصد.
والموتُ في خطا رقصهِ الأخير يزأر، يرفع يداً وبالأخرى يصافحُ العابرينَ بينَ باب وآخر.
أقفُ ولا وقوفَ يشبهني، أصرخ بلا صوتٍ ويملؤني الوجع.
الأرواحُ تتلاصقُ باكتنازِ النظرةِ في الوراء بينَ العتبةِ والباب، تتصافحُ ولا يدٌ تعينُ أُختها، والموتُ يتقمصه، يعلو زافراً كل الغبارِ كل الترابِ كل الهواءِ بعيداً إلى الحياة.
ينحني الموتُ منهياً كل الترانيمِ، ملغياً عزفَ الصمتِ في قلوبِ المارين المبصرينَ لغةَ الوجع، يحومُ بشغفِ المحبِ مقتنصاً فريستهُ، ليكونَ حضن الروحِ المنتظر، يقبلُ صيدهُ يشهقُ، والروح تبكي كيفَ للمسافات أن تُعدمَ؟ نصفُ خطوةٍ لم تكفِ ليعودَ البعضُ بكلهِ إلى الحياةِ ويغتسلَ بأبدية الخلود لا الزيفِ.