لابد من وداع بعد لقاء، تسأل لم الوداع؟!، لم تودع الشجرة أوراقها، لم يودع المطر الأرض ويتركها تحت أشعة الشمس.. لم يكون غياب الشمس عند الغروب ووداع الليل عند الفجر... لم يغيب من نحب ونودعه؟!، عندما حانت ساعة الوداع تحدثت العيون بينما وقفت الكلمات حائرة وكأنها جليد يأبى أن يذوب تحت أشعة الشمس!.
ذاك الطفل الذي ودّع بيته وقريته ووطنه قسراً وبعد عشرات السنين بقي موقناً بالعودة، وبقي المفتاح هو السلوان للقاء طال انتظاره، في الغربة القسرية ووداع الوطن والحلم والأمل بالعودة يوما ما.
كما الوداع هناك اللقاء، وكما المرض هناك الشفاء، في مجريات ومكابدة الحياة هناك حيث يودع كل منهما الآخر يتساءل كل منهما لم الوداع! لم تتلاءم الأقدار وتتجه نحو الوداع! لم لا يستطيعان مواجهة ذلك القدر المحتوم... لم التقيا إذا كان الوداع نهاية طريقهما.
عندما يكون المنطق غير منطقي! عندما لا يؤمن أحدنا بأنه يستطيع أن يودع ما كان متمسكا به... في أروقة المطار حيث حانت ساعة الإقلاع... في الوداع كانت الكلمات لا تتجاوز الحناجر... كانت العيون هي من تتكلم وكان كلامها أبلغ من كل الكلام... قال لها سأكون قريباً حاضراً حتى لو أصبحت المسافات شاسعة أراد أن يقول ابقي وللننتصر على الوداع... عيناه قالت ذلك.
تساءلت كثيراً ما سبب حتمية الوداع؟! ولم لا يبقى اللقاء والقرب من كل ما نريده أن يكون قريبا.. هل من المنطق أن يكون هناك وداع... لم تتحد جميع الأسباب والظروف التي تمنطق الوداع وتجعله شيئاً حتمياً.
كان لابد من اللقاء بين الأرض والشمس... بين المطر والأرض..ولابد من غروب الشمس... ومن مجيء الصيف..كان لابد من نهاية تتلوها بداية ليصبح الأمر أكثر منطقية ويستسيغه العقل ويتقبله.
في مواجهة التحديات وعدم لوم الظروف... في خياراتنا والطرق التي نسلكها غير مكرهين... في الحب الذي يتغلب على المسافات ويجعل المسافة مجرد رقم غير معترف به.... في القلب الذي يحفظ ذكريات ووجوه الغائبين..وكأنها كانت قريبة جداً قبل لحظات.
في البقاء قريباً ممن تحب، في التمسك بأحلامك والعمل على تحقيقها... في صلتك مع الله وقربك منه... في فهمك ومعاركك التي تخوضها مع ذاتك... في انتصاراتك، في الصعوبات التي تصنع النجاح...
قد لا نعرف قيمة الشيء إلا عندما نفقده.. كما الصحة للمريض.. والأمن لفاقده... والراحة للمنهك... والقوة للضعيف... عندما نعرف قيمته نصبح أكثر تمسكاً وشعوراً بأهميته وهذه هي الحياة إذ لابد من النقيض لنعرف قيمة بعض الأمور.
حسب القواعد التي تقول بأن من تريد سيكون أول الراحلين، والشيء الذي تتمسك به هو من ستتركه عاجلاً، وأن غياب وجه يعني غياب كل الوجوه!،كان لا بد من اللقاء والوداع... ولابد من التمسك وعدم الإذعان والرضا بالخسارة! وكما أن جفاف الأرض يعلن حضور المطر وغياب الشمس وشروقها تالياً تعني النهاية والبداية! وكما أن الليل مهما تطاول في ظلامه لابد من فجر يبدد تلك الظلمة ويعلن عن بداية يوم جديد، وأن الربيع هو الآتي وستعود الأوراق تزين الأشجار...كما الموت بعد الحياة هناك الحياة بعد الموت، وهي الحياة السرمديه!
في الوداع يكون اللقاء هو العيد ولابد من مجيئه، وإن المسافات قد تكون أقرب إلى القلب وإلى الروح، في القلب يكمن اللقاء والدعاء واقتراب الأرواح وإن ودعت بعضها بعضاً.