في سُلّمِ البناءِ الثقافيّ المكوِّن للتحصيلِ الإِدراكيِّ للفردِ يتجذّرُ التداولُ العلميُّ والمعرفيُّ لكلّ ما قد توصّل إليهِ الإنسانُ من معرفةٍ، أو علمٍ، أو معلومةٍ هو الحلقةُ الأهمُّ لهذا البِناء، وبالإِمعانِ في صُور هذا التداولِ وأهمِّ الأساليبِ لاحتوائهِ أو حتى اختبارهِ وتطويره، نستطيعُ أن نستشعرَ أهميةَ القراءةِ كنافذةٍ أولى لهذا الاطّلاعِ والاختبارِ والتراكمِ الثقافيّ.
ويأتي هنا تحديدُ الملامحِ الرئيسةِ للقراءةِ خُطوةً أولى للاعتناءِ بنوافذِ الاتّصال والتراكمِ المعرفيّ لدينا، فمثلاً علينا أن نسألَ هنا :
ما القراءةُ تعريفاً؟ وما صُورها والهيئاتُ التي يجبُ أن تكونَ عليها لتُنتجَ إثماراً ومعنى؟
كيف نجعلُ من القراءةِ منهجَ حياةٍ لنا؟
وكلّ هذهِ الأسئلةِ وغيرِها تحتاجُ إلى دراسةٍ مفصّلةٍ وإمعانيّةٍ لبناءِ نهجٍ قِرائيٍّ نستطيعُ أن نستندَ عليهِ لتعزيزِ دورِ القراءةِ في مُجتمعاتنا وفي أذهانِ رُوّادهِ وصغارِ مُتعلّميه.
وفي خُطى هذه الدراسةِ نُتابع تعريفَ القراءةِ في دراسةِ "PIRLS" : تَعنِي القُدرَةَ على فَهْمِ واستِخدامِ أشْكال اللُّغة المكتوبةِ والمطلوبةِ في المُجتمع، والتي يُقدِّرها الفردُ، ويُمكنُ للقرَّاء الصِّغارِ بناءُ المعنى عبْرَ مجموعةٍ مُتنوِّعةٍ من النُّصوص؛ حيث يُمارِسونَ القراءةَ مِن أجْل التعلُّم والمشاركةِ في مجتمعاتِ القِراءَة في المدرسةِ والحياةِ اليوميَّة، وكذلك من أجل التمتُّع بما يقرؤونه. ومن التعريفِ نستطيعُ مَحوَرةَ الأهمّيةَ الأساسية للقراءةِ :
- تَواتُرُ الفَهمِ الذي يتيحُ استخدامَ جميعِ أشكالِ اللّغةِ المكتوبة.
- بناء المعنى والوعيِ من المقروءِ و الذي يساعدُ على التعلّمِ والتمتّع بالقراءة.
وبهذا يتّضحُ لنا ضرورةُ وجودِ نهجٍ حياتيٍّ للقراءةِ، وأُسسٍ واضحةِ المعالمِ تؤدّي بنا إلى نقطةِ وصولٍ مُعيّنة ومُخطّطٍ لها، لا تحتملُ العشوائيةَ أو الاحتماليةَ يجعلُ من القراءةِ عادةً تنيرُ معرِفتَنا وإدراكَنا، وتُوسّعُ وَعينا نحو الموروثِ من المعرفةِ والمتناقلِ من المعلومة، ليكونَ لها سبيلٌ لتُنتجَ فكرةً أو تطوّرَ أخرى وتُورثُ معرفةً ومداركَ جديدة.
وعلى كلّ ناهجٍ لهذا المَنهج أن يُرتّبَ إجاباتٍ للأسئلةِ الآتية :
- لماذا أقرأ؟
للإجابةِ بحروفٍ شافيةٍ على هذا السؤالِ يجبُ تذوّقُ حلاوةِ القراءةِ ولذّتِها، فلا يمكنُ إدراكُ العمقِ الذي تحملهُ دون تذوّقها أو الغوصِ في غِمارها، فالقراءةُ أمرٌ إلهيٌّ في الدرجةِ الأولى، أمرٌ تشريعيٌّ لعَظمتهِ في البناءِ والوعي. عندما أتى الخطابُ القرآنيّ الأول : (اقرأ)، صراحةً دونَ أيّ إدراكٍ لحقيقةِ القراءةِ وعظَمتِها، ليكونَ الأمرُ مختصّاً في إجبارِ الرّوحِ على التذوّقِ والغوصِ في اللّذائذ.
- ماذا أقرأ؟
وهنا ضرورةُ التخطيطِ الفكريّ تحضُر، لأنّ الخريطةَ القِرائيّةَ تُحدّد بشكلٍ كبيرٍ البِناءَ التكوينيَّ للفكرِ، والوعيَ العامَّ للقارئِ، وهُنا يجبُ الانتباهُ لأنواعِ القراءةِ المختلفةِ أثناَء محاولةِ الإجابةِ على هذا السؤال.
- القراءةُ المعرفيّة: والتي تساعدُ على تشكيلِ المعرفةِ الثقافيِّة الواسعة،ِ للوعيِِ لدى القارئ.
- القراءةُ الواجبَة: وهي قراءةُ الكتبِ التي لابدَّ منها للانطلاقِ نحوَ الأبعادِ الثقافيّةِ الأُخرى، على سبيل المثال؛ الكتبُ المتعلقةُ بتخصّصِ القارئِ ومجالهِ الفكريّ، الكتبُ الثقافيّةُ المرتبطةُ مباشرةً بأمّةِ القارئ تاريخيًا وإنسانياً وتَكوينياً
- القراءةُ الضرورية: وهنا أُفرِد لها كتابَ الله وحدَه دونَ أي إضافةٍ أخرى.
- القراءةُ نحوَ الوعي: وهنا أختصُّ بقراءةِ الآخرِ ورُؤيتهِ للأمورِ المُختَلفِ عليها فيما بينَه وبينَ القارئ .
- القراءةُ البنّاءةُ والدراسيّة: التي تشملُ القراءةَ حولَ موضوعٍ مُعيّنٍ مدروسٍ أو قابلٍ للدراسة.
ومروراً بكلّ هذا فإننا لا نستطيعُ تجاهلَ آليّاتِ القراءةِ الأكثرِ جدوىً وفاعلية،ً و التي تساعدُ على استخلاصِ المعنى والولوجِ لعُمقِ الثّمرةِ التي نلهثُ وراءَها من خلال القراءة:
- التركيزُ على المعلوماتِ الواضِحَة واستِرجاعها.
- التوصُّل إلى استدلالٍ فوريّ .
- تفسيرُ ودمجُ الأفكارِ والمعلومات.
- فحصُ وتقويمُ المُحتوى وعناصرِ النصّ .
وبمجملِ القول، لا نستطيعُ تجاهلَ دورِ القراءةِ وفاعليّتها في البناءِ الحضاريّ، الأمرُ الذي يَدفعُ بمجتمعاتنا لإعادِة النّظرِ في كلّ متعلّقاتها من تأسيس،ٍ وتجهيزِ البيئةِ السليمةِ لاستخدامِ هذه الوسيلةِ في تَدافُعِ المعلومةِ نحو الذّهنِ العربيّ ليُصبحَ في مَنحى مُنتجٍ ومُفكّر.