هائمٌ هو في المُروج الخضراء..، باذخُ الثراءِ بكل خُضرةٍ مرّت في طريقه..، مُتلذّذٌ بنسيمِ وردٍ مُختلفةٌ ألوانه..، وتلك النسماتُ تُغازلُ حُليماتِ التذوّق ومستشعراتِ الحسّ لديه، فتنشئ سيمفونيةُ العُشّاق..، يتورّدُ الخدّ خجِلاً من انعكاسِ حسناءٍ في السماء سمِعت همسَ العُشاق يتسابقُ الغُزلان _ غُزلان الحيّ_ لبلوغِ سفحِ جبلٍ اسوّد من مآسي الحبّ وتذابلت بتلات وردهِ قبيلَ كلّ وداع.
أطفالٌ كُنثرِ لؤلؤٍ يلعبون..، يتلاحقونَ وقهقهاتهم تُسمِعُ البائسَ فيستحيلُ من فرطِ الجوى مُتبسّما..، لمحت عيناهُ جمعَ نملٍ يمشي على عجَل.. يدّخر مؤونته لفصل الشتاء..، لكأنه منظومةٌ او فيلقُ حرب. .. وقعت عيناهُ على عُصفورٍ صغيرٍ بينما هو مُتكئٌ على صخرة...، عُصفورٌ صغيرٌ جميل.. من بينِ مِئاتِ العصافيرِ في ذاكَ السوقِ الذي يكره باعتبارهِ سجناً للطيور _سوقُ الطيورِّ الشعبيّ_ استطاعَ العُصفورُ عينُه التسللَ بحنكةٍ والفرارَ من من قبضةِ قفصٍ جبان..، إلى شجرةٍ أوى _مكانهُ الطبيعيّ هناك_ .. ما أجملَ ألوانَه!!..
بحركةٍ سريعةٍ التقفَ العُصفورُ ثَمرةً أُرجوانية وكأنّها كنز، أولئك الأوغادُ يخطِفونَ العصافيرَ من بيوتهم ولا يتكلّفونَ حتّى إطعامهم!..، عاودَ مراقبةَ العصفورِ ينقرُ الفاكهةَ تارة وتارةً ترتشفُ منها ما يسدّ رمقه.. أحسَّ بحركةٍ فطارَ مُحلّقاً مُعتدّاً بنفسه. اقتربَ هو من الشجرة وتحسّس الفاكهةَ ذاتَها فداسَ بعفويةٍ على جذعِ صغيرٍ ثم سقط.. على صوتِ الملاكِ والدتهِ استفاق.. بتثاقلٍ قامَ، ثمّ توجّهَ لطاولةِ الطّعامِ حيث يجلس والده كالمعتاد، وحين سمعَ بُكاءَ الرضيعةِاُخته حدّقَ إليها وفكّر: محظوظةٌ هي، لا تتكبّدُ عناءَ النّهوضِ مُبكراً ولا الذّهابَ المدرسة، أتمَّ فُطورهُ وتوجّه لغرفتهِ حتى يستعدّ للمدرسة، رأى أُختهُ فرحةً تستعدّ لحفل تخرّج المدرسة ففكر: محظوظةٌ هي لن تتكبّدَ عناءَ الذّهابِ للمدرسةِ بعدَ اليوم.
قادتهُ تأملاتهُ في حافلةِ المدرسةِ لاستنتاج مفادهُ أنّ كلّ ما له بدايةٌ له نهاية مُحتّمة..، فتلكَ الرّضيعةُ لمّا تبتدء بعد الطريق _ طريقُ الحياة_ والكُبرى قد وصلت لمُنتهى جزءٍ من الحياة، وعليه؛ هوَ مُلزمٌ بأن يَجِدَّ حتى يصل.. الطريقُ طويلة لكنها تستحقّ المحاولة.