استيقظَ أمامَ مشهدٍ لا ينتهي، ولا يعرفُ متى بدأ! هوَ الواقعُ والحُلم، الحقيقةُ والخيال، الوهمُ واليقين. كانَ حضوراً استثنائياً، ويعلو التصفيقُ من حينٍ ألى حين، يُصابُ الحاضرونَ بشتّى أنواعِ المشاعرِ، أمام أحدِ المشاهدِ يأسَفونَ وأمام آخرَ تتعالى الضَّحِكات، وآخرَ يُبكي القلوبَ والعيون.. وقفَ بين الجالسين، وجوهُهم غضبى، لم يغضبوا لأقدامِها التي تمزّقت وعينِها التي تبكي ألماً ودماً وبكاءِها الدامي، أغضَبهم شِعرها وضِحكتها وصوتها، أَلِـِفوا أخبارَ الموتِ ودمارِ البلاد، والدماءَ التي تسيل، أحدُهم يموتُ جوعاً ومرضاً، وآخرُ يموتُ تُخمةً وشبعاً...
تتوالى المشاهد، وتتجلّى أمامَك حقائقُ وتناقضاتٌ تتداخل، ترى طفلاً يكبُر وشابّاً يهرَم، ذاكَ يمرض وذاك يَشفى، في رُكنِ المقاعِدِ تتّضحُ الصّورة وتختلط، تجدُ نفسَك حائراً، أسئلةٌ بلا أجوبة، وجوهٌ تُحدّق في اللاشيء، و أجسادٌ تسيرُ في طريقٍ واحد، قوالبُ جاهزةٌ وإجاباتٌ جاهزة، وحياة تتكرّر، الشيطانُ هو الجاني الذي يُحمَّل كل الخَطايا، الضعيفُ إمامُ القويّ، كلٌ يملكُ وكلٌ مملوك، ظالمٌ ومظلوم.. جانٍ وضحيةٌ نُنسى ونَتناسى أننا بشر، معاييرُ الأخلاق وطبيعةُ البشرِ والغرائزُ في داخلِ كلٍّ مِنا، الشرُّ والخير، الاستغلالُ.. الظلمُ.. الحبُ... التضحيةُ.. الإيمانُ الإحسانُ في الروح والعقل.. في الأجساد، الروح تُحتاجُ كحاجةِ الجسد. نملكُ الغريزةَ ونملكُ العقل الذي يتحكم.... علا التصفيقُ وانتهى العرض، وقف الجُمهور، حمل حقيبته وغادرَ دون أن يلتفت.