الوقت عصرا حسب التوقيت المحلي لمدن الحب، أرتب خزانتي وغرفتي على حين من الملل، واللامبالاة والهروب، أتناول الوقت وأحتسيه ببرودة.. وشيء من السكون، فهيئة الكراكيب العتيقة تثير الذكريات والمشاعر بقدر انبهارنا بالحداثة والحضارة. مر زمن وقلبي لم يصح بهذا الشكل، فكلما لمست أوراقي القديمة التي تجاوز عمرها العشرين عاما ترنم قلبي بعزفه القديم، دسست يدي عميقا في كراكيبي، وإذ بورقة أرهقها النوم الطويل قد أشعلت لهيب فؤادي نبضا ودفئا، استقبلتها بالود والترحاب، وإذ بالعنوان يحرقني في لحظة من الدهشة والصدمة، كتب في رأس الصفحة بخط ديواني أنيس "نص مفقود" أعدتها إلى مكانها خائفا ومرتبكا، أغلقت حيز الكراكيب وابتعدت، لكن قلبي بقي مفتوحا على مصراعيه يملؤه الفضول ليقرأ ويبحر في نص مفقود، عدت لأغرق بها وأقرأ: لمست قلبها بيدي، وسألتها: -ما الشوق يا جليلة؟ -الشوق!؟... انصهارنا في لحظة الوصل قبل ولادتها، وولادتنا في كل لحظة قبلها. -وهذا حالي في كل نفس وحب. -كيف تستطيع اشتياقي لهذا الحد؟ -أنا لا أستطيعه، لكنني أداريني بعينيك! -كيف هذا يا جليل؟ أصمت لأن البوح هنا سيكون إنقاصا لقدر الشوق وعظمته في قلبي، بدأت القصة في غفلة من غيمة القلب وهدهدة الروح، في لحظتها تناثرت سكنات الهدوء الإلهي بكل جلالها في قلبي؛ لتوقد جمار الود والصفاء وتتقد كلما نظرتها أسأل نفسي: أهذا هو الحب؟ لا أدري!... أجبت ُ نفسي صامتا، أو هكذا تهيأ لي. فقد بدا لي جنوني واضحا كعين الشمس، اختطف الوقت قلبي كما تختطف الأوطان، فهي عصية على هذا ولكنها تؤخذ -أحيانا- على حين صمت ومشاهدة منا وتوسعت أحداق روحي بشدة حتى عجزت عن الرؤية المألوفة، وبت أرى ظلالا وخيالات، أو بت أرى عالما مغايرا عما أعهده، كل شيء بدا من عينيها ممزوجا بهما ومنتهيا إليهما، كل خطوط العمر منها لا بد أن تمر لتحظى بهدوء وجلال عظيمين، هكذا بدت الصورة وهكذا غرقت دونما رحمة أو إنذار هذه هي جمار الحب ترمي حملها في قلبي، وتكرس أجيجها لتلهب كل ذراتي وتعيدني طفلا لا يحسن سوى الدهشة والبراءة، وتقود أوتار الأنين في قلبي لعالم بعيد كبعد علمنا بالروح وما خصها. إليك أكتب يا جليلة قصيد الولادة والشغف الذي ينادي في لحظة المشهد الأول لعينيك، أكتب نصا فاقدا لإصغائك ولمعة روحك، ولجمال رونقك، ولمشهد الورود بين يديك، أكتب نصا مفقودا في غمرات هذا العمر، وأتوقع في نهايته: طفلك المدهوش حباً هكذا النص قطعة من ماضٍ مغمور بكل شيء، فيه من الكافور والعناب وقطرات من ندى لطيف، وفيه شيء من الحنظل المدسوس كالسم في حنايا الورق والسطور انتهى العصر، وأقبل الليل الطويل بلا أحد سوى كراكيبي... وفقدٍ عظيم في نص غريب.
top of page
bottom of page