top of page
منى النجار

الحروف لا تكفي - منى النّجار


 

نُزاحِمُ الحياةَ ونركض نحوها، نرتِّبُ أفكارنا، ونتبعثرُ في تنفيذها، لكلٍّ منا حقوق، وعليه واجبات...

لا يُولدُ أحدٌ في الكونِ متعلِّماً ومترَئِساً أو مسؤولاً أو مربياً لعملٍ ما؛ فلا بُدَّ أن يمرَّ بمراحلَ مختلفةٍ؛ ليتجاوزها، فينتقلُ حتى يصل كالخيولِ التي في السّباق، تتجاوز وتتسابقُ حاجزاً تلو الآخر، وفي كلِّ مرةٍ يتعالى الحاجزُ، تضيقُ صدورنا تارةً وتبتهجُ تارةً أخرى...

تُعلِّمُنا الْحَيَاةُ كذا لغة؛ لنلجأ إليها وقتَ الحاجةِ، ونعبِّرُ بها عن أحاسيسنا المركونة...فها أنا وغيري نستخدمُ كَمَّاً من الحروفِ لتفريغِ ما في جُعبنا من مشاعرَ؛ لتنتقلَ عبرَ حروفٍ أخرى لأحاسيس يقرؤها الآخرون، تتناغمَ بِحُبٍّ حتى تصلهم...

وقد تتعبنا تلك الحروف أحياناً، وتخونُ عِشرتها الطويلة معنا، فلا كلمات تترتب ولا حرف يفي فَيُخرِجُ ما في أرواحِنا من ألم...

يتكبَّلُ في صدورنا كحجرٍ متينٍ لا يقعُ ولا يتفتت، فيرى الناس تلك الحروفِ كهالاتٍ مُسوّدةٍ حول العينِ أو كدمات مُزرقّةٍ في أنحاء الجسد...

ولو فُتِّشت الأرواح لكان البأس أكبر، فتلك الحروف رغم صغر حجمها عندما تتحجرُ تقفُ في مُنتصفِ القلبِ لِتمنعَ وصول الدّم إليه بشكلٍ سليم، حتى إنها تقف حائلةً لِدُموعِ العينِ فلا تُشكِّلُ ما يكفي من الأنهار لِتخرجَه...

وما إن تُفتت تلك الصخور التراكمية من الحروف حتى تخرجَ كلمات موبوءة مسمومة بحشراتٍ عشَّشت بداخلها فَتُدْمي من يسمعُها وتوسمه بعلامات...

ما يُهمُّني الآن أن أعفي الحروف من مهمّةِ الكلمات، فنحن المسؤولون عن إخراجها، ومنذ الطفولةِ ونحن نقتاتُ فُتاتَ الحروفِ والحركات، نركِّبُ بها كلمات ذات معنًى يصلنا لِما نريد...كيف نلومُ حروفاً مُزيَّنةً تملَؤ عالمنا بحُب؟؟

أمّا الكراهية فما رتَّبَها سِوانا، كيف لحروفِ الألف والميم واللام أن تُخرج معانٍ مسمومةٍ ومعتمةٍ وأخرى رحومةٍ رؤوفةٍ؟؟فتجتمع كلمة أمل بترتيبٍ عشوائي يُضفي على حياتنا البهجة، وإن حاولنا التلاعب بحروفِها وشوَّهنا زخرفتها حتى أتتنا ألماً يعتصرنا، ثم ترتكز الحروف لِتصرخَ فتُبعثر نفسها(ملأ)...

تنادي علينا أن استيقظوا، فالحروف لا تفي لإقامة الحروب، ولا لإزالتها دونما عمل...الحروف لا تكفي هنا لِنُندِّدَ بها دونما إقدام...والسلام لا يُقام بأناشيدَ وهُتافاتٍ دون وجود أخلاق...

بعد عِشرةٍ طويلةٍ مع حروفك ستجِدُ أنها غير مسؤولة سوى عن أفكارٍ مرتبةٍ في أعماقك...فما حاجتي الآن أو بعد ذلك أن أكتبَ أو أُحدِّثَ بتلك الكلمات المرتّبةِ على نسقٍ معيّن يروقني ويسوء غيري سوى حاجة مُلحّة من الداخل أن أخرجها قبل أن تلتهمَ أعضائي وهي مُزاحة في داخلي على طرفٍ معيّن تقرصني في كل حين تارةً بكاء وتارةً شوق أو تارةً كآبة، فتتلقّفني كأنني دُمية بين يديها لا أدركُ حجمَ آلامي وهي مُقيمةٌ داخلي...

الحروفُ وسيلةٌ غير كافية إلا للكلام، فَأَمَّا العمل فلا تلجأ لها، ولو أنّ الحروف تكفي لتحررنا منذ زمن، وأسمعنا الكوكب طَرَباً من إخراجِ كلماتٍ وجمل...ولكن...لا حروفَ بلا عمل.

٥١ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

نقطة آخر السطر

خرجت دامعة العين،ذهبت ولَم تَعُدْ،لملمت نفسها وقوتها وغادرت،خرجت ولَم تُحرِّك ساكناً قط،تحاول أن تترك ضعفها..انكسارها..دموعها...

ﻛُـﻞ ﻋـــﺎﻡ ﻭﺃﻧـﺘــﻢ ﺑـــﺸــﺮ

ﻳـﺂ ﻋـﺮﺏ ﻣـَﺎﺕ ﻓـﻴﻬﻢ ﺍﻟﺸـﺮﻑ ﻭﺍﺣﺘـﻀـﺮ ﻳﺎ ﻋـﺮﺏّ ﺻَـﺮﺥ ﻓـﻴﻬﻢ ﺍﻟﻮﻃـﻦ ﺣﺘـﻰ ﻛَـﻔﺮ ﻳﺎ ﻋـﺮﺏ ﺗـﺎجرﻭﺍ ﺑـﺮﺑﻬﻢ ﻭﺩﻳﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻳﺎ ﻋـﺮﺏ ﺻـﺎﺭﺕ...

bottom of page