الاسم بيان زريقات، عمري 22
من أول "خرابيش" الطفولة على قصاصات الورق في الروضة، كنت أحب الألوان وأستمتع جداً بقضاء ساعات طوال ألون ما أرسم، من هنا بدأت الحكاية.
أكثر ما يصدم الناس من قصتي مع الرسم هو أنني لم أحظَ بأية وسيلة تعليمية، لم أدرس بأي مركز أو معهد ولم أتلقَّ أي دورات أو محاضرات، حتى أن اليوتيوب لم يكن متاحاً بعد في صغري، بتوفيق وعناية وفضل من الله أولاً، ثم بعملي على تطوير نفسي بنفسي، وبدعم الأهل والأصدقاء تعلمت الرسم لوحدي. كنت من محبي قناة سبيستون الفضائية وفي كثير من الأحيان كنت أجلس أمام الشاشة وأمسك الورقة والقلم و أحاول رسم الشخصيات، كنت دائماً ما أرسم خلسة على دفاتر تشتريها أمي من أحدث الدفاتر الخاصة بمصممات الأزياء أجمل ما فيها آخر الصفحات حيث كان هنالك رسومات لعارضات الأزياء بدون وجوه أو شعر وهنا تبدأ مهمتي, أرسم لهن الوجوه وأخترع قصات شعر تليق بزي معين، كنت أتوقع أن توبخني أمي على ذلك لكنها كانت تأخذني في حضنها وتضحك على بساطة ما أرسم.
كنت أتوجه لأبي في بداية كل عام أطلب منه بكل تواضع أن يعطيني الأجندة التي تصله دوماً كدعايات حتى أستخدمها لتنظيم أمور حياتي وأرسم بعض الرسومات، كان يوافق ويشعرني بأهمية التخطيط لأيامي، لكنني كنت أقوم بدلا من ذلك بتقسيم الصفحة لأربعة أقسام وأبدأ باختراع قصة لأرسمها كقصص أفلام الرسوم المتحركة، كنت أنهي الأجندة كاملة برسوماتي لقصص غير مفهومة حتى لي، فيما بعد أكتشفت أن هناك ما يسمى بالمانجا وبرسم الstoryboards وأن ما كنت أفعله يشبه هذه المجالات، لازمتني هذه العادة حتى آخر أيام الثانوية العامة وبإمكاني ملاحظة الفروقات والتطورات في الرسومات من بداية الطريق للآن.
عندما أصبحت في الصف السادس شاهدت حلقة على التلفاز عن كيفية صناعة الرسوم المتحركة tom & jerry صدمت حين علمت أنها عبارة عن آلاف الرسومات التي تعرض في بضع دقائق ويحللها دماغنا على أنها حركة فعلية، إنه شيء سهل لا يحتاج أكثر من إتقاني للرسم! سأفعلها.. وضعت هدفي البعيد أن أعمل من أجل إنتاج الرسوم المتحركة.
في مدرستي كنت أرسم على الجداريات بشكل مستمر وكانت ردة فعل الجميع على أبسط رسوماتي بأنها رهيبة، فعرض علي أن أقوم بعمل معرض لرسوماتي وأن أرسم رسومات خاصة بالمعرض، حيث قمت برسم لوحات باستخدام أقلام الفحم وكنت لأول مرة أجرب هذا النوع من الرسم، في الصف الثامن. لاحظت معلمتي "سونيا خطاب" اهتمامي بدفتر الفيزياء و بتلوين كل صفحة فيه وعمل ثيمات لكل جزء من المادة، كانت معجبة ببذرة الموهبة التي أمتلكها و بشغفي الشديد، تزامن الأمر مع تشكيلها فريقاً من طالبات المدرسة للعمل من أجل معرض الإعجاز العلمي، لم يكن الفريق يحوي مثيلاتي من الصف التاسع فقط بل من كل الصفوف الأصغر و الأكبر مني فأشعرني ذلك بسعادة غامرة، لكن عندما قامت باستدعائي لغرفة المعلمات وطلبت مني أن أكون المسؤولة عن ثيم كل المعرض من رسومات لأفكار لزينة، شعرت بمسؤولية كبيرة وأردت أن أبذل جهداً أكبر . عملت في هذا المعرض ومن بعده معرض الفيزياء و الكيمياء المسلية، كان لمعلمتي دور كبير في تقدمي، كانت كلما قدمت لها بعمل أو بفكر توبخني أحيانا بقسوة وتقول لي أن هذا العمل لا يليق بمستوى إبداعي و بقدراتي وكانت تطلب مني أن أبذل قصارى جهدي لأخرج بالأفضل، كنت في بعض الأحيان استسلم فيساعدني على النهوض صوت صديقاتي .. بالنهاية أصل لأفضل الأفكار وأجملها، تعلمت من معلمتي أن أقسو على نفسي في بعض الأحيان لأظهر أفضل ما لدي.
قمت بالمشاركة في مسابقات الرسم على مستوى المدارس الخاصة لثلاثة أعوام متتالية بعد نجاحي في المركز الأول على مستوى المدرسة، المرة الأولى حصلت على المركز الثاني في مسابقة الكلية العلمية الإسلامية، والمركز الثالث في العام الذي تلاها في ذات المسابقة، والمركز الثاني في مسابقة أقامتها مدرسة النظم الحديثة، أذكر أن أحد الفنانين التشكيليين في تلك المسابقة كان يلتف من حولنا يراقب طريقتنا بالرسم، وقف خلفي لبرهة ثم ذهب وعاد مع زميل له وبدأ حوار بينهما وهما يتهامسان ويتفحصان حركة ريشتي، كنت قد جربت في هذه المسابقات ألوان الباستيل والمائية. اقترب مني الفنان وطمأنني وقال أن لي مستقبلاً في الرسم وأن أستمر بقوة فحتما سأفوز بالمركز الأول في هذه المسابقة، وفي يوم التكريم أخذ والدي على زاوية وبدأ يتحدث معه، قال له أن النتيجة لم تكن عادلة في هذه المسابقة لأحصل على المركز الثالث، و كان يريد أن أنضم لفريق طلبته، تحمست ووالدي بشدة وبالفعل ذهبت لأزور غرفة التدريب الصفية، كما هو سائد في المجتمع أن رواد الفن من الطبقات غير المحافظة، وأنهم اشخاص لا يحظون بشهادات جامعية، فمعاهد الفنون محفوفة بالمخاطر أمام فتاة صغيرة في المدرسة، كانت لي مخاوفي قبل الذهاب، وصلت وكانت اللوحات جميلة جداً والمكان ضيقاً والطلاب مخيفين بعض الشيء، لم اشعر بالراحة مع أنني أريد أن أتعلم من الفنان الكبير، قررت العدول عن فكرة المعهد لأسبابي الخاصة، وأعترف أن تجربتي بالذهاب لذاك المعهد أعطتني في تلك السن نظرة لا تعمم على الإطلاق فهناك بالتأكيد مراكز أكثر اعتمادية ورسمية واحترافية. قمت برسم لوحة بقلم الفحم في حرب غزة الأولى، وحملتها في مظاهرة جماهيرية فالتقطتني عدسة الغد ونشرت اللوحة في اليوم التالي على الصفحات الأولى من الجريدة، علمت بالأمر من صديقة والدتي التي حملت الجريدة وجاءت مسرعة لتفاجئني بها، بعد ذلك طلبت مني معلمة التاريخ "منيرة درويش" أن أشارك بتلك اللوحة في مؤتمر يجمع أطيافاً عديدة من الناس بجنسياتهم المختلفة المهتمين بالتاريخ والقضايا الإنسانية . حلمي في إنتاج الرسوم المتحركة لم يقارقني، كنت في وقت الفراغ أستخدم جهاز الحاسوب للعب لكنني سرعان ما كنت أمل، جربت أن أرسم على برنامج الرسام paint ، بالبداية كانت الحركة صعبة، لكن مع الممارسة أتقنت الرسم عليه . في غرفة المرشدة التربوية في المدرسة "مها أبو نوارة" كنت أجلس على جهاز الحاسوب أنتظر قدومها رسمت بعض الرسومات على الجهاز ، عندما رأت الرسومات بهرت بشكل كبير وطلبت مني أن أرسم محتوى مادة إرشادية لعرض شرائح ستعرضها على الطلاب، أصبحت أتردد لغرفتها بشكل دوري بعد ساعات الدراسة لأرسم، صدمت حين علمت أنها تحتفظ بالعرض ليومنا هذا وتشعر بالفخر الشديد بتطوري وتحدث الجميع عنه، دعمها كان رائعاً، وهنا كانت بداية رحلتي في رسم الديجيتال .
في العطل الصيفية وأيام السبت كنت أعمل في مركز عباد الرحمن كمعلمة فن ومساعدة مسؤولة الأنشطة، كنت أقوم بإعطاء حصة لصفين من أعمار الصف الأول والثاني للرسم ، وكنت أعطي الصف الرابع والخامس حصة فنية كنا نرسم على الحائط في المركز ونطبع بصماتنا بأيادينا كانت من أجمل تجاربي، قمت بتدريبهم على مسرحية الصرصار و النملة وقمت بتصميم أزياء الصرصار والنمل من الكرتون الملون، كانت تجربة فريدة، وكنت أرسم بالحناء خلال المهرجانات والأنشطة. كانت زيارة صديقة العائلة "أم عمر" سبباٌ في اختيار تخصصي مستقبلا حيث أخبرتني أن ابنتيها وعد وإسراء تدرسان تخصص علم الرسم الحاسوبي في جامعة الأميرة سمية وقاموا بتشجيعي ومساعدتي على دخول هذا التخصص وهذه كانت الخطوة الأولى نحو حلمي في تأسيس شركة رسوم متحركة توازي شركة دزني. دخلت تخصص علم الرسم الحاسوبي، قابلت أساتذة أكثر من رائعين منحوني تشجيعاً ودعماً كبيراً، بدأت مشواري بهدية من أخي الغالي bamboo wacom لأرسم به على برنامج الفتوشوب بطريقة أكثر احترافية من ال paint، انضممت لعدة من الأفرقة التطوعية والأندية وكنت أصمم البوسترات وأرسم الرسومات الدجيتال واللوحات الكرتونية، منها النادي الأول نون الثقافي، CGA،ACM ، مبادرة لو كان بيننا، لجنة القدس في جامعتي والجامعة الأردنية، مجلس الطلبة، student life style ، وردتنا القدس، بسمة الحياة.
اكتشفت ميولي للإخراج عندما بدأت بالصدفة أرسم storyboards للصديقات الأكبر سناً مني من أجل مشاريع التخرج لم أكن أعلم أن تحديد زوايا الكاميرا يدعى إخراج، فبدأت برسمه للصديقات. بدأت أول عمل freelance بعمل التصاميم، ثم رسومات دجيتال من خلال صفحتي على الفيسبوك وحسابي على الإنستغرام، قمت بعمل رسمة لغلاف كتاب ((سأعلم ولدي)) الذي سينشر قريبا، عملت مع مسؤول إبداعات سوري من تركيا من أجل معرض للعلماء المسلمين واختراعاتهم، بعد أن قامت ابنة رجب طيب أردوغان بافتتاح المعرض الأول، فقمت برسم مجموعة من الرسومات، أقمت معرضاً صغيراً لمجموعة رسومات رسمتها خصيصاً اسمها sunnah is عن سنن الرسول عليه السلام ضمن مبادرة لو كان بيننا، قمت بإخراج فيلم قصير يعبر عن الحملة التي أطلقناها ضمن دورة مجلسنا في الجامعة student life style ، كانت تجربتي الأولى عن قرب بالإخراج، مع أنها متواضعة جداً لكنها تعني لي الكثير. كونت فريقاً مع صديقاتي لشركة خاصة للأنيميشن أطلقنا عليها اسماً أولياً "زركشة" حتى نقوم بنشر رسالة ديننا، لنثري المحتوى العربي بأفكار هادفة وشيقة ومتقنة، ثم وسعناها لتشمل أفضل زملائنا من الرسامين، ونحن نعمل الآن على إنتاج أول فيلم قصير لنا معاً.
شاركت في حملة واسعة على السوشال ميديا اسمها "فنان مش مشهور"، فتواصلت معي قناة الجزيرة الفضائية لأشارك بحلقة من برنامج الجزيرة هاشتاج تتحدث عن الفنانين وتظهر إبداعاتهم، قاموا بعرض بعض من رسوماتي على الهواء مباشرة. لدى انتهائي من مشروع التخرج والذي حاز على أعلى علامة مشروع تخرج أنيميشن في الجامعة بفضل الله، كنت أقوم باللمسات الأخيرة مع صديقتي في شركتها، شاهد فيلمي المخرج بشار غنام وأعجب به وقال أنني أمتلك حساً إخراجياً وبالتأكيد سيكون لي مستقبلٌ باهرٌ بعد التخرج، أسعدتني كلماته بشدة وأعطتني بريقاً من الأمل، قمت باقتطاع الجزء الذي عملت عليه في المشروع وأضفت عليه، سميته "أمل" وقدمته في مهرجان عالمي للأنيميشن، لم أحظَ بفرصة الترشح لضخامة المشاركين والمبدعين من أنحاء العالم لكنني لن أتوقف هنا بإذن الله .
أوجه الشكر من قلبي بعد الله لوالديّ وأخوتي وصديقاتي ومعلماتي وزملائي وأساتذتي، وشكر خاص وكبير لكل المتابعين الرائعين على صفحاتي فبحبهم ودعمهم لي أتقدم وأتطور أكثر.
كتبت قصتي بحذافيرها وتفاصيلها المملة، مع أنني أعتبر إنجازي صفراً مكوراً، وأعلم أنني لست الأفضل وهناك الكثير من المبدعين الرائعين ممن يستحقون نشر قصصهم، لكن نشرت قصتي لأقول لكل فنان شغوف إياك واليأس، إياك والتراجع، لا تحتاجون لأحد أن يعلمكم، لا تحتاجون لأكثر من قلم رصاص وورقة وحب، السر هو التمرين المستمر والملاحظة فكلما كنت شديد الملاحظة كلما أصبحت فناناً أفضل.